نزول الخليفة على الأرض
ونزل آدم إلى الأرض خليفة و إن كان يغلبه الحزن نتيجة معصيته بالغواية من إبليس اللعين، ولكن عزائه توبة الله ومغفرته. وبدأ آدم رحلة الشقاء من أجل العيش وأهم من ذلك هو كيفية مواجهة الصراع الذى فُرِضَ عليه باستعداء إبليس له من قبل أن تنفخ فيه الروح. لقد هبط آدم من الجنة وطرد إبليس ونزلا الأرض بعضهم لبعض عدو كما ورد فى سورة البقرة "فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) " وكذلك جاء ذكر العداوة فى سورة الأعراف وفى سورة طه. ولكن السؤال المهم هنا هو من البادئ بالعداوة؟ اليس ابليس اللعين؟ إذا يمكن القول أن إبليس عدواً معتدٍ على آدم الذى ليس أمامه إلا الدفاع عن نفسه. لقد فكر إبليس اللعين وخلص إلى أن يضم ما استطاع من بنى آدم إلى فريق الضلال الذى يقوده. لقد جاء ذكر تضليل الشيطان للضعفاء من بنى آدم وضمهم إلى فريقه بعد أن لعنه الله نتيجة عصيانه فى سورة النساء " إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)" وحدد الله مصير هؤلاء أن مأواهم جهنم وليس لهم بديلا عنها. فكيف يمكن لإبليس تجنيد بنى آدم فى فريق الضلال؟
لقد استوعب آدم الدرس وكذلك زوجه وعرفا مدى عداوة الشيطان لهما ولذلك كان من الصعب عليه أن يعيد الكرة معهما. ولكن اللعين مصر على عداوته لبنى آدم وسرعان ما وجد من لايعرف كيده وكرهه وعداوته، إنهما إبنى آدم قابيل وهابيل. لقد جاء ذكر ما حدث بين قابيل وهابيل فى القرآن الكريم فى سورة المائدة " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) ". لقد نجح إبليس اللعين فى أن تتم اول جريمة قتل على الأرض وأن يطعن آدم وحواء فى قلبيهما بفقدان ولدهما وهو ليس مجرد ولد ولكن أنيس أيضاً فى الأرض وعنصر ليس بالقليل فى هذا الوقت لعمار الأرض التى لم يكن بها إلا آدم وبنيه. لقد استغل إبليس إحدى الفتن التى جاء ذكرها فى القرآن العظيم فى سورة آل عمران " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) " لقد استخدم فتنة النساء ليوقع بين إبنى آدم ونجح فى ذلك. لقد لخّص بن كثير ما ذكره من سبقه من أئمة السلف عما حدث بين ابنى آدم. كان آدم يزوّج ذكر كل بطن بأنثى البطن الأخرى ولما أراد هابيل أن يتزوج من أخت قابيل وكانت أجمل من أخت هابيل. فأراد قابيل أن يتزوج بأخته من بطنه ورفض أن يتزوجها أخيه هابيل. ولما اختلف الأخوان امرهما آدم أن يقدما قربانا لله فتقبل الله قربان هابيل فقتله قابيل حتى لايتزوج أخته. لقد نجح إبليس اللعين مستعينا بهوى النفس البشرية وزين لقابيل قتل أخيه هابيل ليضرب آدم والإنسانية ضربة قوية وهما فى أمس الحاجة لكل ولد من أولاد آدم وذلك لعمار الأرض.
لقد كان أول اعتراض أو عصيان إنسانى لحكم الله على يد قابيل وإن أخذ الأن صوراً أخرى تحت مسميات الدولة المدنية والحريات الشخصية وتمسكوا بحقوق الإنسان وتنازلوا عن حقوق الله.
لقد قُتِل هابيل فى حياة آدم، خليفة الله فى الأرض فى ذلك الوقت، واستبعد قابيل لجرمه ومخالفته ورفضه لشرع الله. لذلك كان من الطبيعى أن تؤول الخلافة لغيره وكان شيث بن آدم عليهما السلام، والذى ولدته حواء بعد مقتل هابيل، هو خليفة الله فى الأرض بعد أبيه آدم.
لقد انتقل آدم أبو البشر همزة الوصل بين الأرض والسماء وانكسر أول أضلاع مربع ا؟فصطفاء الالهى حيث يقول ربنا فى كتابه الكريم "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)" سورة آل عمران
وهنا أقف معكم على أمل أن يوفقنى ربى لتناول الضلع الثانى وهو خليفة الله نوح مرورا برسل الأقوام مثل عاد وثمود وغيرهم ثم ننتقل لبنى اسرائيل وهنا سنقف كثيرا متأملين بنى اسرائيل ودعوة ابراهيم عليه السلام ولما خصوصية اصطفاء آل عمران ثم نقف مع النبى الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم والصراع الممتد منذ بعثته حتى يومنا هذا
والى ان نلتقى استودعكم الله طالبا دعائكم