لقد تعرف آدم عليه السلام على النبى الأكرم وعرف قدره ومقامه من ربه صلى الله عليه وسلم وهو الإسم الذى رجحت به كفة الإنسان لتكون الخلافة من حقه. لقد قالت الملائكة أنها تسبح بحمد الله وتقدسه وبذلك كانت الأقرب والأولى بالاستخلاف وإن لم تفصح حياءً من الله، لأن الأمنية لا تخرجهم من مقام الطاعة. ولما سئل الله الملائكة عن أسماء بنى آدم ، ولما كان ذلك من علم الغيب الذى سيصبح حقيقة مستقبلية مرتبطة باستخلاف الله لآدم فى الأرض فيما بعد. ولذا فلابد أن تعرف الملائكة بقية رحلة الإنسان إلى يوم القيامة ولا يتأتى ذلك إلا بمعرفة بقية سلالة آدم خاصة وأن الملائكة عرفت أن الإنسان سيفسد الأرض ويسفك الدماء، فلابد أن يكون هناك بعض أولاد آدم والذين لهم قدرا عند الله ليرجح كفة الإنسان ليكون خليفة لله فى الأرض. الملائكة دائمة الحمد والتقديس بما من الله عليها بأن جبلها على ذلك ولكن بنى آدم سيكون منهم القاتل والسارق والزانى والمفسد فالكفة الراجحة للملائكة. فلما سئلهم ربنا عن أسماء بنى آدم لم يكن بغرض معرفة الأسماء مجردة إنما الأسماء للتفريق بين بنى آدم ولكن المقصود القدر ومقام القرب من الله عز وجل. ولما جاء ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ذكر قدره ومقامه، فمقام جبريل عند سدرة المنتهى كما جاء....... ولكن نبينا صلى الله عليه وسلم يخترق ويقف فى مقام لايدانيه فيه أحد من خلق الله وهذا السبب الأهم الذى جعل البشرية كلها تنتظر نبى آخر الزمان وجاءت بسببه يهود إلى يثرب. ولما لم يكن منهم ولما كان معسكر الكفر واحد فما اختلف يهود ولا نصارى عن قريش لما أنكرته صلى الله عليه وسلم ولكن ما هو إلا حسداً و قالوا كقول قريش كما جاء فى سورة الزخرف " وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) ".
لقد عرفت الملائكة أن من بين بنى آدم ولد أسمه محمد ومعنى اسمه انه خُلِقَ مُفعّلاً بالحمد أى أنه مجبول على الحمد مثل الملائكة واسمه أحمد وهو أسم تفضيل أى الأكثر حمداً وهو محمود من قبل الله عز وجل. هنا إقتنعت الملائكة ورضيت بآدم عن أقتناع رغم أنها لم تكن لتعصى الله لو أمرها أن تسجد لآدم دون نقاش. إن قرار استخلاف آدم يخص الجميع سواء الملائكة والتى ستنزل الى الأرض لنصرة الإنسان المؤمن ضد شياطين الجنّ والإنس كما حدث يوم بدر، أو الشيطان الذى حقد على آدم واتخذه عدوا. لقد جاء القرار بعد قبول الإنسان تحمل الأمانة وهو رغم الشرف العظيم الذى سوف يناله الإنسان يمثل عبئاً كبيراً على الظلوم الجهول فهل سيستطيع القيام بكافة المهام المنوطة به كخليفة لله فى الأرض؟ وكيف ستكون علاقته مع عدوه اللدود إبليس وجنوده؟ وما هى أسلحة الطرفين فى المعركة الحتمية التى لا ينكرها إلا جاهل غير قارئ ومتدبر للقرآن؟
لقد انتهت المناظرة بين آدم والملائكة بأن رجحت كفة آدم بإبنه محمد صلى الله عليه وسلم وسجدت له الملائكة احتراماً واقتناعاً وطاعةً لله رب العالمين. لقد أعلن إبليس اللعين التمرد ورفض السجود لآدم كما جاء فى سورة ص " إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)".
والآن قد أكتملت الصورة فأصبح أدم خليفة لله عز وجل وصارت الملائكة فى جانبه ما أطاع الله وهؤلاء يمثلون معسكر الإيمان وأصبح إبليس ومن إتبعه من شياطين الجنّ والإنس يمثلون معسكر الكفر. وهنا يجب الإشارة إلى أن معسكر الكفر هو الذى بدأ فى إعلان الحرب على معسكر الإيمان من أول وهلة حيث أعلن قائد معسكر الكفر إبليس الحرب بقوله الذى جاء فى سورة النساء " إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121) " وكذلك جاء فى سورة الإسراء " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) "ونبه الله آدم وزوجه من كيد إبليس وذلك قبيل دخوله الجنة كما جاء فى سورة الأعراف " وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)" وبعد أن أتضحت الرؤيا وبدأ الصراع بين معسكرى الخير والشر وقبل النزول إلى الأرض لابد من إلقاء الضوء على منصب الخليفة ومن يتقلده وكنيته ودوره حينما يستخلف على الأرض ممن سبقه.