الخليفة
لقد أصبح آدم خليفة لله وهو الخليفة الأول وهو الذى خلقه الله بيديه وكرمه وأسجد له الملائكة وأسكنه الجنة ولكن عدوه اللدود غرر به وبزوجه وأخرجهما من الجنة لينزل آدم إلى الأرض وسخر الله له كل شئ وأمره بأن يصلح ولا يفسد ولا يسفك الدماء. ولكن آدم لن يبقى وحده هو وزوجه فى الأرض ولكن سيتوالدان وتكون لهم ذرية تملأ الأرض وتعمرها. والسؤال الملح هنا هو هل كل بنى آدم يعتبر واحدهم خليفة لله فى الأرض؟
وقبل أن نهبط إلى الأرض يجب أن نعرف من تحق له الخلافة و التزامات الخليفة والدور المنوط به.
من المنطق أن يكون خليفة الله من المصطفين من قبل الله كما جاء فى سورة آل عمران " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) " ثم الأقرب لله بالطاعة يكونون ورثة للأنبياء. إن خليفة الله فى الأرض هو الرسول المبلغ عن الله عز وجل ويأتى بكتاب من الله فيه تشريعات إلهية يجب إتباعها حتى تعمر الأرض إلى أن يرثها الله ومن عليها. ويجب أن يحكم خليفة الله بين الناس بالحق و العدل وينفذ أوامر الله، أى أنه يمكن القول أن خليفة الله فى الأرض هو الحاكم بأمر الله، ولا تكون الخلافة للكافرين. وهذا هو سر الحقد على المسلمين الذين نسوا ما وكلوا به من قبل مولانا العظيم.
لقد قال ربنا فى القرآن العظيم مخاطباً نبيه داوود فى سورة ص " يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) " وهنا يتم تكليف داوود عليه السلام خليفة فى الأرض ويتضح أن وظيفة الخليفة هى الحكم بين الناس بالحق. ولما كان الخليفة هو الحاكم بأمر الله فلابد من أن يصطدم بأهل شهوة الملك و الحكم من الناس. وخير شاهد على ذلك قصة نبى الله الخليل إبراهيم عليه السلام مع نمرود والتى ذكرت بعض جوانبها فى القرآن، كذلك إرسال موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون ملك مصر الذى كان يقتل أبناء بنى إسرائيل لما سمع أنه سيولد منهم نبى وفرار مريم ابنة عمران بوليدها المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام إلى مصر فراراً من بطش الملك الذى قال له المنجمون أنه ولد نبى. لقد كانت أول رسائل النبى ودعوته للاسلام لكسرى ملك الفرس وهرقل ملك الروم والمقوقس ملك مصر فى ذلك الوقت. ولا ننسى مقتل يحى ابن زكريا عليهما السلام بأمر ملك الشام حينما أراد أن يحيد عن طريق الله ويتزوج من محرم له. لقد عانى كل رسل الله وكذلك عباده الصالحين الذين لا يخافون فى الله لومة لائم من حكام الدنيا الكثير والكثير حتى وصل إلى القتل ولتستمر المعركة إلى يومنا هذا.
بعد الرسل يُستخلف أتباعهم ولقد كان واضحاً ذلك لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلقوا لقب خليفة رسول الله على أبى بكر الصديق رضى الله عنه. من هنا يتضح أن النبى يورِّث أتباعه الكتاب من بعده ويكونون خلفاء فى الأرض. لقد جاء بيان ذلك فى القرآن كما ورد فى سورة الأعراف "فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169)". لقد وضحت الأية 69 من نفس السورة " أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " وكذلك الأية 74 " وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ " أن الإستخلاف فى الأرض يكون بالطاعة لله عز وجل وإلا أخذ الله القوم لأنهم غير أهل للإستخلاف كما فعل الله بقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وغيرهم. لقد وصف الله الذين حادوا عن أوامره بالخلْف ولم يصفهم خلفاء كما جاء فى سورة مريم " فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) " وكما جاء فى الأية 169 من سورة الأعراف. الخلْفة بتسكين النون هو الشئ الذى يأتى وراء الشئ فى تتابع روتينى طبقاً لقوانين الله عز وجل مثل تتابع الأجيال وتتابع الليل والنهار كما جاء فى سورة الفرقان " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62) ". أما الخلَف بفتح اللام فهو من يقوم بأداء مهمة سلفه بالوراثة، أو يستخلف بالإنابة لأداء المهمة نيابة عن صاحب المهمة كما جاء فى سورة الأعراف حينما استخلف موسى أخاه هارون عليهما السلام " وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) ".
وكما ذكرنا فإن كل الأقوام التى لم تعمل بشرع الله وأوامره قد أخذهم الله وهذا يدل على أن الكافر لا تحق له الخلافة.